نزيف الحوادث المرورية - 12 فبراير 2013
2021-11-10 559
حين كنت أدرس في جامعة (ويلز) كان معي صديق سعودي يدرس الدكتوراه، ظل هذا الصديق 8 سنوات يحاول الحصول على الرخصة البريطانية دون فائدة! مع أنه كان يحمل رخصة سعودية!
في آخر محاولة له قبيل تخرجه اجتاز الاختبار العملي، ولكن عجزه عن تذكر (ألوان) إحدى الإشارات المرورية حرمه من الحصول على الرخصة!
قد يبدو لك ذلك نوعا من التشدد المبالغ فيه، ولكن الإحصاءات التالية قد تغير رأيك:
سبعة آلاف شخص يلقون حتفهم سنويا جراء حوادث السير في المملكة، منهم 4800 شخص يفارقون الحياة في موقع الحادث، عدد الحوادث المرصودة في عام واحد أكثر من 544 ألف حادث رغم تطبيق نظام ساهر.
تكاليف العلاج السنوي لمصابي الحوادث تبلغ 21 مليار ريال، ما يعادل 4.7 % من إجمالي الناتج القومي، ويعادل ثلاثة أضعاف ما يتم إنفاقه على قطاع التعليم، ويعادل نصف ميزانية دول لها كيانها وحضورها الدولي.
ولو وضعنا متوسطا يبلغ 30000 ريال لعلاج كل مصاب وإصلاح سيارته لبلغت التكلفة مليارا وخمسئمة ألف ريال شهريا!!
ودعنا نتجاوز الخسائر المادية إلى التأمل في خسائر الأرواح، وما يترتب على كل فقيد من آثار سلبية نفسية واجتماعية على أسرته وأقاربه ومجتمعه لا تنتهي هذه الخسارة بل تظل ممتدة لفترات طويلة، كما أن الجروح التي يتركها الفقد لا تندمل مطلقا.
حين تتأمل عزيزي القارئ هذا الحجم المهول من خسائر الحوادث المرورية بشريا وماديا فإنك ستدرك لماذا تجعل دولة كبريطانيا الحصول على (رخصة) صعبا إلى هذا الحد.
سأروي قصة أخرى..
كنت أسير في خط سريع واحتجت إلى الانتقال للضفة الأخرى، وبدلا من الخروج من المخارج المخصصة انسللت عبر فتحة طوارئ مستغلا فراغ الشارع من السيارات، وعدم وجود رجال الشرطة، وبعد دقائق توقفت في محطة فإذا بسيارة شرطة تقف خلفي، وإذا برجل المرور يسألني: كيف تخرج في الخط السريع من ضفة إلى أخرى؟ قلت: عبر المخارج، قال: ولكنك لم تفعل ذلك قبل قليل! وردني بلاغ من أحد المواطنين، ولو أني رأيتك بنفسي لسحبت رخصتك ومنعتك من القيادة سنة كاملة!! فلا تعد لمثلها!
سنة كاملة من الحرمان بسبب دخول من فتحة طوارئ! مرة أخرى ليست هذه مبالغة في التشدد ولكنها صيانة للأرواح والمقدرات، و لا تغفل وعي المواطن الذي بلغ عن تجاوزي ومخالفتي.
إن القضاء على الحوادث بالكلية متعذر، ولكن تقليلها قدر الإمكان واجب وطني لا يجوز التساهل فيه أبدا. وكل تشديد يضمن تقليل الحوادث وحماية الأرواح هو في محله.
وليتسنى لنا بلوغ المأمول فلا بد من مراعاة (ثلاثية الحوادث): السائق، والمركبة، والبيئة.
لابد من سائق واع منضبط، ومركبة سليمة، وشبكة طرقات صالحة.
وكل علاج لا يستوعب هذه الثلاثة معا هو علاج جزئي محدود الأثر، وقد لا يحقق النتائج التي نتوخاها جميعا، لأن كابوس الحوادث المرورية وفواجعة اليومية أصبحت تجثم على صدور كثير من الأسر، وتغتال فرحة الأمهات والآباء بآبائهم المكلومين بفاجعة فقد فلذات أكبادهم.
وإلى جانب مسؤولية السائق والمركبة والبيئة فإن على الأسرة التي هي نواة المجتمع مسؤولية كبيرة ومباشرة في نشر ثقافة قيادة المركبات الآمنة، وتوعية الأبناء ممن هم دون سن الإدراك بمخاطر السرعة والقيادة المتهورة بضرورة توخي الحذر والإدراك بأن الشارع ليس مكانا للتهور وأن الأضرار المترتبة على قرار كهذا ستكون تداعياتها خطرة وستطال أبرياء وستزهق أرواح بريئة.
وكما أن على الأسرة مسؤولية فإن على صناع القرار في الوزارات ذات العلاقة مسؤولية أخرى في تبني خطط وبرامج وطنية شاملة وفعالة لوقف هذا النزيف المستمر، ليبق الوعي الاجتماعي العام هو الفيصل في الحد من الحوادث، إذ أن الأنظمة وحدها لا تكفي رغم أهميتها وضرورة تطبيقها على الجميع.
كفانا الله شر الحوادث، وحمى أبناءنا وفلذات أكبادنا من كل سوء ومكروه فهم عتاد المستقبل وحصنه المنيع.